fbpx

1- يتغيّر السّلوك بين الذّاتين

أنت تستيقظ كل يوم وترتدي ملابس العمل ثم تدخل السيارة وتبدأ في السّياقة. ماهي الأفعال التي تقوم بها لإنجاح عملية السواقة؟ ولسيدة المنزل مثال آخر: تذهبي للمطبخ لإعداد كوب القهوة. هل تفكري فيما تفعلي؟ أم تقومي بملء الغلاية بالماء كالعادة وأنت شاردة الذهن ولديك خواطر متعدّده حول اليوم ونفسك وما ينبغي فعله لتكون حياة أسرتك مريحة؟

هذه العادات التي تكوّنت عبر السنوات لصناعة كوب القهوة أو قيادة السيارة، هل هي عمليات تفكير معقدة أو بسيطة؟ هل تتضمن أخطاء؟ هل لو أخطأت في تقدير المسافة بينك وبين السيارة التي أمامك سيحدث ضرر؟ وهل لو لم تصب الماء المغلي في الكوب وانحرفت يدك مليمتر واحد سيحدث ضرر؟ إذا أكمل معي.

يتم الوعي بالخواطر، ويدرك الإنسان أبعادها ثم يقرر استقصائها بشكل مقصود ومنطقي في كثير من الأحيان لأن التفكير فيها مرهق ومطوّل أو أن خاطرة أخرى احتلت المكانة الأولى بسبب ما ترتبط به من قيمة ومكانة، أو ببساطة لانّ الخاطرة وجدت فقط للتنبية وليس لتصبح ذات أثر أكبر. وأحيانا تصل الفكرة للشعور فتؤثّر سلبا أو إيجابا ولكن يتم تهميشها على مستوى الحواس والأفعال، لأن الفعل المتولّد عنها لم يوفّق في المنافسة مع الاعتقادات التي يحملها الإنسان مسبقا أو المنافسة في سلّم القيم الرّاسخ. وأحيانا أخرى تتحول الفكرة إلى دافع للفعل، وتجد مكانها في المقعد الأمامي في حياتك. العملية ليست بالبساطة.

لأبسّط لك الموضوع بشكل أوضح، تخيّل أنّ هناك ذاتين لكل إنسان. الذّات التّلقائية (العقل اللاواعي) و الذات المنطقية (العقل الواعي). الذات التّلقائية تحتفظ بكل ما تراه وتسمعه وتلمسه وتدركه من المعلومات المحيطة بها والواردة عليها منذ لحظة الخلق بما في ذلك المعلومات الجينية الفطرية المخزّنة في خلايا الجسم والتي تحتوي على أوامر مسبقة للتشغيل التلقائي. مجموعة المعلومات المخزّنة في الذّات التلقائية الجينية والمكتسبة تصنع برنامج يعمل تلقائيا بدون تدخل من الذّات المنطقية. هذا البرنامج دقيق جدا ولا يتعرض للخلل الا لاسباب فسيولوجية او نفسية. وتجد الذات التلقائية تعمل بتلقائية وبحكمة لا تدركها الذات المنطقية مباشرة. فإذا كانت هذه وظيفة الذات التلقائية فما هو عمل الذات المنطقية وما الفائدة منها؟

الذات المنطقية هي ما يميز الإنسان عن الحيوان. الذات المنطقية تصنّف وتحلّل وتربط وتتعلم وتقرأ وتكتب وهي ممثلة في الوظائف الفكرية المقصودة. الذات المنطقية أساسية لوصول المعلومات وصياغتها بمدلولات ومفاهيم لا يمكن أن تتواجد ببساطة لوحدها. فمفهوم الحب وقيم الحياة الأسرية والأخلاق الإنسانية عموما وكل المعاني الراقية التي تصنع الحضارة والرقي الانساني لا يمكن أن تكون عمليات فكرية تلقائية. اذا كانت الذّاتان تعملان بتناسق و تكامل تام. فما هي المشكلة إذا؟

الإجابة في الاستنتاج السابق!

التناسق والتكامل. فعندما تنطلق الذات المنطقية لتتدخّل في حيّز الذات التلقائية وتبدأ في تبنّي مهمّاتها ترتبك الذات التلقائية وقد تتوقف عن العمل تماما. تخيل كيف أنك الآن تتنفس بشكل طبيعي وبدون تدخل من الذات المنطقية. تخيل أو حاول فعلا ان تتوقف عن التنفس بتدخل منطقي وتبدأ في اعطاء اوامر شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

اذا كنت تقرأ هذه السطور فستتوقف لتركز على موضوع التنفس وموازنة كل نفس مع الذي يليه ليتمكن القلب من ضخ الدم المحمل بالاوكسجين في الوقت المناسب ل… ولا أدري، لست بطبيبة، ولكن بعد التركيز لمدة ساعة أو ساعتين في الوظيفة التلقائية ربما تصاب بالارتباك وقد يحدث فسيولوجيا ما لا تحمد عقباه.

 التدخل والأوامر يعطل عمل الذات التلقائية ويصيبها بالارتباك الفوري فتفقد مهارتها في لحظة التدخل. ومع الاستمرار في التدخل تتعلم الذات التلقائية معلومة مهمّة (برمجة من الذات المنطقية) وهي انها ليست اهل لهذا الفعل لأنها تفشل فيه باستمرار. ولان الذات التلقائية لا تملك أدوات التفكير المنطقي التي تملكها الذات المنطقية فإنها تستقبل رسالة ( الفشل المتكرر) على أنها دليل على ضعفها واستحالة الفعل. تصاب الذات التلقائية بفيروس يسمى ( الافكار السلبية) ويدخل هذا الفيروس في صميم العمليات التلقائية و يستفحل وقد يؤدي الى الانسحاب الكامل والموت البطئ.

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Shopping cart

0

No products in the cart.